هربُ الراحة

أفريل 1, 2024

مرحبًا..

مضى وقت طويل لم أُدوّن فيه فكرة هنا، ليس لأن الأفكار غير موجودة لكن لأنني آمنت أن الكتابة مقصلة الأفكار. فكل فكرة عظيمة في أذهاننا تُذيبها الكتابة ويتضاءل حجمها حينما نُدوّنها، مما يجعلنا نُحقّرها إلى أن تُصبح لا شيء!

بسبب اللاشيء أحيانًا نجدُ أنفسنا مُحاطين بغمامة سوداء، تُظللنا، وتُفسد أيامنا، بلا سبب. فمنذ فترة وأنا أهرب من كُل شيء بأي شيء، عسى أن ينقضي الوقت، وتمرّ الأيام، أو تنتهي الحياة. هذه الغمامة مُثقلة بسؤالٍ لعين، يُحاول التقليل من قيمة الأهداف، وإحباط المحاولات قبل بدئها، ونسف أي جهد يُبذل. هو السؤال الذي ما ننفك عن طرحه في أنصاف الطُرق، وعند منعطفات المسارات، ومع تقلبات الحياة. سؤال: ما الجدوى؟!

محاولة طرحه أصعب من إيجاد الإجابة عليه، لأن محاولة الطرح محفوفة بمخاطر مواجهة اللاجدوى؛ إذ أن هذه المخاطر من الممكن أن تواجهك بما لا ترغب بمواجهته، وتُريك ما تُشيح وجهك عنه دائمًا.

آمنتُ في وقتٍ سابق أن في الكتابة شفاء من علل كثيرة منها صداع الأفكار. كما أنها مُتنفسُ نتخلّص به من بعض ضيق النفس. لكنّي أجدُ نفسي أكفر بهذا اليقين، وأهرب من حدود إيماني ذاك لأجدُ نفسي أبحث عن أدوات تشافي أخرى.

أظنّ أنني مارستُ كُل ما يُمكنني فعله للهرب، مستخدمة بوصلتي “لكل نبأ مُستقرّ” و”لكل أجل كتاب”، لكن وجدت أن نهاية الأشياء تأخذ منّي أكثر من كونها تمنحني. لم اعتد أن أضع أهدافًا على المستوى الشخصي، والسبب في ذلك يقيني أن الأهداف ستجعلني في سباق لأصل، وكنت كثيرًا ما أتجاهل رغبتي بأن أناقش ما أريد مع نفسي، أملًا بأن ما أريده سيحصل لا محالة. ورغم كُل ذلك، وفي كل مرة أنتظر ما أريده أن يحصل لأني أؤمن أنه لا شيء صعب طالما نحن أحياء، وأن من يُريد يستطيع متى رَغِب. لكن ثمّة محطات نحتاج أن نقف فيها لنلتقط أنفاسنا، ونستعيدُ توازننا بعيدًا عن منغصات الركض. محطات نلجأ إليها هربًا من زحمة مُطاردة الآجال، وتشحننا بطاقة تمنحنا الصبر في انتظار المستقر. ليكون هرب في سبيل الراحة.

“الألم” شعورٌ لا يُمكن وصفه

ماي 5, 2023

في الفترة الماضية كنت  أتردد على مركز علاج طبيعي لإصلاح بعض مما أفسدته الظروف والعادات السيئة، إضافة إلى الضغوطات التي نحاول مواجهتها لنغدو أكثر نجاحًا ونضجًا وصلابة.

وفي كل مرّة كانت الأخصائية تطلب مني وصف الألم، كنت أجد صعوبة في التعبير، ليس لأن الألم لا يُمكن وصفه، لكن لأن ليس له معايير ومحددات أو أشكال واضحة على أقل تقدير. فـ الألم يوصف بالخبرة، وكُل ما يُمكن وصفه بالخبرة سيختلف وصفه من شخص لآخر. أيضًا الألم من الأشياء التي يتفق الناس أن معاييرها تختلف من شخصٍ لشخص.

في إحدى المرات ناقشت الأخصائية في موضوع كيف من الممكن أن نصف الألم؟!

ردّت بأنهم يلجؤون إلى تحديد درجته من 10 . استعنتُ بمحركات البحث لمعرفة الطريقة الأفضل لتحديد الألم، فوجدت الطريقة التي ذكرتها الأخصائية، إضافة إلى وصفه بشديد أو خفيف، ويُطاق أو يقض المضجع ولا ينام المرء بسببه. أيضًا الطريقة المستخدمة مع الأطفال ومن لا يستطيع التعبير كانت الاستعانة بتعبيرات الوجه الابتسامة والعبوس والبكاء. لكن هل هذه المعايير صادقة وكافية؟

بظني لا، طالما أن البشر مختلفين في درجة تحمّلهم للألم والتي ستنعكس على وصفهم له، وبالتالي التشخيص لن يكون دقيقًا، أو التوقع من خلال الملاحظة أيضًا لا يُمكن أن يكون صحيحًا بالقدر الكافي.

تأسرني فكرة كيف يُمكن أن نُحدد الألم، لاحظت أنني في كل مرّة أذهب إلى الطبيب أحاول أن أصف الألم كما أشعر به، وليست الطريقة التي يتساءل عنها الطبيب. تنبهت لطريقتي في الوصف قبل أكثر من 10 سنوات، حينما سألني طبيب الأسنان عن درجة ألم الضرس الذي أعاني منه، فقلت له يومها: “ألم لذيذ.. غير مؤذي”

وبدأت في السنوات التي تلحقها بوصف الألم بمفردات أظنها تصفه بشكل دقيق ـ بالنسبة لي على أقل تقدير ـ لأنها ما أشعر به حقيقة؛ مثل أشعر بشيء ينتشر، شعور بالألم يشبه الشعور بالضرب على هذا المكان، ألم يُشبه ألم الضغط، أشعر بالألم مثل الضوء الذي يتلاشى، ألم وخز…. وغيرها من الصفات. لكن هل هذا الوصف يفهمه الآخر إن كان طبيب أو أخصائي أو شخص عادي أحكي له عن مقدار الألم الذي أشعر به؟!

أظن الألم أحد المشاعر الإنسانية التي لا يُمكن أن يتفق في وصفها بشكل دقيق اثنان، لارتباطها بعدّة عوامل؛ مثل الخبرة وطريقة الوصف، ودرجة الشعور. لذا أظن أن لكل منّا طريقته في التعبير عنها، واستخدامنا للتعبير أو الوصف الدارجين من باب التعوّد على طريقة التعبير لا أكثر.

في إحدى الجلسات كانت تسألني الأخصائية عمّا إذا كنت أشعر بألم أو لا، فقلت لها: “ألم عادي.. أحس بوخز”، فقالت لزميلتها:

“Her pain rate is high, If she say: No.. She feel”

تعليقها لفت انتباهي إلى: ما جدوى التعبير إذا كان الشعور الحقيقي لا يصل؟!

نصٌ مُثقل بالضغط

فيفري 5, 2023

هل جرّبت الكتابة تحت تأثير ضغط الكتابة؟!

إلى وقتٍ قريب كُنت أظن أن الكتابة تُخفف ما نشعر به، وأن الكلمات مضادات للحزن والكآبة. ويحدث أن يكون الاستخدام المفرط لها مسببًا لنتائج عكسيّة، فلا تؤدي الكلمات ولا الكتابة أدوارها العلاجيّة. يُمكن أن نتخفف بالكتابة وبالقراءة وأحيانًا بالسفر، ومرات عديدة بالعزلة، حيث تختلف طُرق البشر في محاولات التجاوز والتخفف، والتعايش مع تقلبات الحياة والزمان.

منذ أن انقضى عام وبدأ آخر، صرت اتأمل المعنى الحقيقي لمرور السنوات، إذ أن مرور السنوات لا يعني التقدّم خطوة في العمر والحياة بشكل عام، بل يذهب إلى ما يترتب على تلك الخطوة التي قد تبدو للبعض خطوات للخلف، وأحيانًا للأمام! فهذا المرور قد يعني الانتقال من ظروف لأخرى. الظروف التي قد لا نُدركها جميعًا، لكنها موجودة ولا يُمكن إنكارها. فإذا ما تأملناها سنجدها متنوّعة وكثيرة، ووصفها الرسول الكريم حينما خطّ خطًّا في الأرض وأحاطه بخطوط متعدد وذكر أن هذه الخطوط  ما يعترضه في الحياة فإن نجا من أحدها فسينهشه الآخر. وهذا ما يحدث مع أيامنا بشكلٍ عام، لكن ما نلمحه في تبدّل وتقدّم الأعوام هو تغيّرات مختلفة، إن تنوّعت في أشكالها فلن تختلف في معناها، أحيانًا لا نلمحها في أنفسها لكن نجدها في الآخرين من حولنا ومن السهل علينا التقاطها وملاحظتها.

كُلّ تغيير لا حيلة لنا به نعزوه للزمن، حتى وإن كان تغييرًا انتظرناه، وسعينا له، هل لأن الإنسان خُلق هلوعًا؟! كُلّ أمر يجزع منه، وإن لم يكن جزعًا حقيقيًا لكنه يبقى جزعًا من أي تغيير يحدث؟

اكتسب مفهوم التغيير معنى إيجابيًا منذ عدّة سنوات، حيث تخلّص من المنظور السلبيّ الذي غرسه الإرث الثقافي الذي نشأنا عليه، والذي كان يحمل هاجس الخوف من التغيير، وتشهد على ذلك مقولات الأسلاف، مثل: “الله لا يغيّر علينا”، و النصّ الديني “من شذّ شذّ في النار” الذي حُمّل ما لا يحتمل في محاولة تأطير الإنسان ووضعه في سياق الجماعة. تغيّرت النظرة نحو التغيير، وأصبح خيارًا لافتًا، بل يُحضّ عليه، ويُنتقد من لا يجرؤ عليه.

رُغم اليقين بأن التغيير سُنّة كونيّة لكننا نخشاه لأنه ـ برأينا ـ يهزّ الاستقرار الذي ألفناه، فالخوف ليس من ماهية التغيير بل من تبدّل الحال. الاستقرار جميل لكنه ـ برأيي ـ يشكو من الرتابة، ولا يُمكن للمرء أن يتقدم إن لم يفعل شيئًا مختلفًا عمّا اعتاده.

في الأربع سنوات الأخير بالنسبة لي نفضت غبار الاستقرار، وخضت معارك تغيير مختلفة، ربما كان الهاجس خلال تلك الأيام هو: متى النهاية، وكيف ستكون؟!

حينما لا يُعجبك الاستقرار الملوّن بالرتابة والموضوع في قالب الروتين ستبحث عن التغيير الذي يُشعرك أنك على جُرف من الممكن أن ينهار في أي لحظة، لذّة الانتصار تكون في المحافظة على الثبات النفسي، وجمال الموقف يتلخص في الدهشة المتتابعة لمحاولة إحداث التوازن.

لماذا نفرّ أحيانًا من الاستقرار ونحاول كسر الروتين لنعيش وكأننا في مرجل لا يُمكنه أن يهدأ؟!

حتى وإن لم يكن فرارنا من الاستقرار ظاهرًا إلّا أنه موجود، ويتمثّل في شعورنا بالملل.

هزيمة فقد

جوان 26, 2022

ماذا يُمكن أن تكتب فتاة لوالدها بعد رحيل أكثر من عشرين عامًا؟!

لا يعرفُ حجم الشعور إلّا من امتلأ به، ولا يُدرك صعوبته إلّا من عاناه..

أشتاقك؟ أفتقدك؟ أحتاجك؟ أرغبُ بالحديث معك؟ فرحتي بنجاحاتي ناقصة لأنك لست بجواري؟ ….والكثير من الشعور المُتراكم بفعل الأيام وتزاحم الأحداث..

كنتُ دائمًا أقول أن الصعوبة الأكبر التي يواجهها الكُتّاب هي إيجاد الفكرة، لأن الفكرة هي نواة النصّ التي ينمو بها، كما أن النواة الصالحة تُثمر نصًّا جيّدًا والعكس، لكن مع الرسائل الوجدانيّة والنصوص العاطفية وجدتُ أن أصعب ما نواجهه هو القدرة على التعبير، كيف لي أن أعبّر عن زخم الشعور، ورعشة الحرف وتدافع الكلمات وثقل اللسان عن التعبير؟!

منذ مُدّة ليست بالقصيرة لم أكتبُ نصًا وجدانيًا ليس لأن الدمع يُغالبني فيغلبني، لكن لأني أؤمن أن مثل تلك النصوص تكتسب قيمتها إذا وصلت لأصحابها من خلال التعبير عنها في حينها، لا بنشرها على الملأ. وحدث أن طول العهد بعدم الكتابة الوجدانيّة أفقدني اللياقة الخاصّة بها، لأقف حائرة أطرح سؤال: ما السبيل للتعبير عن مشاعرنا لمن لا نستطيع الوصول إليهم؟!

أسألُ نفسي دائمًا: كيف سيكون شكل حياتي لو لم يرحل والدي منها مبكرًا؟!

كيف ستكون فرحته وأنا أذكّره بأنني حققتُ أمنياتي التي كنتُ أذكرها لها وأنا ابنة الـ 14 عامًا ويضحك منها؟

ماذا سيكون شعوره وهو يحصدُ ثمرة حرصه على تعليمنا؟

أؤمن أن المرء مهما كان قويًا إلّا أن الفقد يهزمه، وشعوره يبقى يُلازمه مع كُل موقف وحدث (ضعف ـ فرحة ـ احتياج ـ نجاح …..إلخ)، كما أنه يأخذ حجمه الطبيعي في بعض الأحيان ويتضخّم في معظم الأحايين.

في بعض الأحيان أقف أمام نفسي اسألها:

ما سبب تضخّم الشعور؟ الحاجة أم الفقد أو سيدهما الضعف؟!

وأجد نفسي تجيبني ظانّة أن الحاجة لوجوده مرتبطة برغبتي مشاركته لكُل نجاح حققته، وليس لأسباب أخرى.

للحظات أظنّ أنني أحببتُ والدي حُبًا لم تُحبه فتاة لأبيها من قبل، وانعكس ذلك على حبّ جميع الآباء ي هذا العالم..

ليسعد الله الوالدين جميعًا ويمسح على قلوب من افتقد عزيزًا..

*لياقتي ضعيفة في التعبير الوجداني من خلال الكتابة لذا وجدتُ صعوبة كبيرة في كتابة هذا النص.

عامٌ حافل بسعاداتٍ متتابعة

جانفي 11, 2022

الأيام تجعلك ترى ما لا يُمكن تخيّله.. 

هذا ما يُمكن وصف المرحلة السابقة بسنينها العجاف على العالم أجمع به. وإن كانت سنوات شداد فسيتبعها أعوامًا يُغاث فيها الناس. ودّعنا العام الماضي بكُل ما حمله لنا من أفراح وتحقيق أمنيات، ولا مجال للخيبات إذ لا يوجد خيبة؛ حيث أن كل تجربة تُمثّل درسًا مهما قسى، وكل عثرة هي جزء من الطريق التي يسلكها المرء، سواء سلكها بإرادته أو رغمًا عنه حينما وضعته الظروف فيها. 

الأيام تجعلك تكتشف ذاتك، تعرف نفسك أكثر، إذ ليس حسابها فقط مع من حولك كما كُنا نعتقد. إذ نُردّد كثيرًا ما تحمله الأيام من قدرة عجيبة على إزالة الأقنعة، وكشف الأوغاد، ومُساعدتنا في التخلّص منهم. 

الأوغاد الذين تقذف بهم الحياة في طُرقنا المختلفة وتختبر قُدرتنا على التحمّل من خلالهم، وترفع من معاييرنا في انتقاء وتقريب من حولنا من الأهل والأصدقاء. إضافة إلى الأوغاد فـ الحياة تُصرّ على إحاطتنا بالأغبياء لنُدرك بشكلٍ جيّد أن العقول أرزاق وأن الناس “لا يزالون مختلفين”.  

العام الماضي 2021 كان عامًا حافلًا بالاستقبال والتوديع، والفرح والأمل. أنجزت خلاله الكثير من الأمور المؤجلة ونلت كثيرًا من الأمور المؤملة، وعشتُ سعادات لم تكن لتحدث لولا فضل الله ومنّه وكرمه. 

كنت أحاول تغطية أكثر من جانب في حياتي، وأتفوّق فيها جميعًا بلا استثناء. بغض النظر عن أن الرغبة بالتميّز والتطلّع للنجاحات يُصبح هوسًا أحيانًا وضرورة لا يُمكن الاستغناء عنها. 

عملتُ ودرست ودرّست في آن؛ حيث كنتُ طالبة الدكتوراه التي تجتهد لتُكمل مقرراتها وتستكمل متطلباتها لتسليمها في وقتها، والأستاذة التي يجب عليها أن تُقدّم محاضراتها وتختبر طالباتها وتستلم تكليفاتهن وتسلمهن درجاتهن..إلخ، إضافة إلى الموظفة التي ينبغي عليها متابعة أعمالها واستكمالها مع عدم التأخر في الإنجاز، وبين كُلّ ذلك عليّ أن أكون الإنسان الذي أحبّه الذي يُنصت لأغنية أعجبته ويحضر فيلمًا ليصفّي ذهنه، ويشرب قهوته ليس لأجل الصورة النمطية لمثقف الذي يشرب قهوته ليُظهر أن ذهنه لا يصفو إلا بشربها بل لأني أستلذها أحيانًا وأستبدلها بالشاي أحيايين كثيرة. 

مرّت 2021 وقد حققت إنجازات أسعدُ بها، قد تكون فرحتها خاطفة مع زحمة الأيام وتدافع الأحداث إلا أنها تبقى إنجازات تُشكّلٍ نقلات نوعيّة في حياتي.. أبرزها: 

ـ اجتزتُ الاختبار الشامل لمرحلة الدكتوراه وهو العقبة الأصعب والطريق الأكثر وعورة.  

ـ أكملت سنة من الالتزام بالكتابة الأسبوعيّة في صحيفة سبق الإلكترونية. 

ـ عملتُ في إدارة عدد من المشاريع الرقميّة. 

ـ طبعت كتابي الأوّل الذي أجّلت طباعته كثيرًا، ولحقه كتاب عملت عليه وتأخرت طباعته عامين. 

والكثير من السعادات الصغيرة والنقلات الفكريّة والروحية التي أحمدُ الله عليها.. 

 وعادت أعوامكم أفراحًا.. وكل عامٍ وأنتم بخير